
حين تُصبح المهارة عملتك الذهبية: لماذا يحتاجك الناس أكثر كلما ازدادت قدراتك؟
حين تُصبح المهارة عملتك الذهبية: لماذا يحتاجك الناس أكثر كلما ازدادت قدراتك؟
بقلم دكتور محمد مندور
تخيل نفسك
في ساحة واسعة، مزدحمة بالناس، كلٌّ يحمل في يده شيئًا يقدمه: هذا يحمل سلعة، ذاك
يملك خدمة، وآخر لا يحمل شيئًا سوى التمني. في هذه الساحة، لا يُقاس البقاء بالقوة
الجسدية وحدها، ولا تُضمن المكانة بالمال فقط، بل تُقاس قيمتك بمدى ما تملكه من مهارات؛
أدوات غير مرئية، لكنها أقدر على فتح الأبواب من ألف مفتاح مادي.
القاعدة
التي تحكم هذا العالم أبسط مما نتصور:
كلما
ازدادت مهاراتك، ازدادت حاجـة الناس إليك. وكلما قلّت مهاراتك، ازدادت حاجتك أنت
إلى الناس.
ليست مجرد
حكمة عابرة، بل معادلة كونية تتكرر في كل مكان: في أسواق العمل، في العلاقات، في
المجتمعات وحتى في التاريخ. المهارة هي العملة التي لا يعرفها التضخم ولا يأكلها
الصدأ. من يمتلكها يصبح مطلوبًا، ومن يفتقدها يظل تائهًا بين أبواب الآخرين،
يطرقها فيرجون له الحظ بدل أن يسلموه مفاتيح الفرص.
هذا
المقال هو رحلة داخل هذه المعادلة العميقة: لماذا ترفعنا المهارة إلى موضع الطلب،
وكيف يحكم غيابها علينا بالارتهان للآخرين؟ سنسير معًا عبر فلسفة المهارة، ثم نغوص
في قصص واقعية وتاريخية تثبت أن من يصنع مكانته بمهاراته لا يُمكن الاستغناء عنه،
مهما تغيّرت الظروف.
معنى
المهارة ولماذا تُعتبر رأس مالك الحقيقي؟
1. المهارة
ليست مجرد "قدرة تقنية"
حين تسمع
كلمة "مهارة"، قد يتبادر إلى ذهنك القدرة على برمجة، أو تحدث لغة
أجنبية، أو عزف آلة موسيقية. لكن الحقيقة أوسع من ذلك بكثير. المهارة ليست مجرد
شيء تتعلمه في دورة تدريبية، بل هي مزيج من العلم والخبرة والقدرة على التطبيق. هي ذلك
"التفوق العملي" الذي يجعلك مختلفًا عن آلاف غيرك.
- مهارة التفكير النقدي.
- مهارة التواصل والإقناع.
- مهارة التكيف مع الأزمات.
- مهارة الإدارة أو القيادة.
- وحتى مهارة "التعاطف" وفهم الآخرين.
كل هذه
ليست "مواهب" يولد بها الإنسان فقط، بل يمكن صقلها واكتسابها.
2. رأس مال
لا ينهار
المال قد
يضيع، المنصب قد يُسلب، العلاقات قد تنقطع، لكن المهارة شيء آخر. هي أشبه بوعاء
داخلي تحمله أينما ذهبت. لو سقطت اليوم، تستطيع أن تبدأ من جديد غدًا؛ لأنك تملك
ما تبني به.
انظر إلى
قصص المهاجرين أو اللاجئين الذين فقدوا كل شيء مادي، لكنهم امتلكوا مهارات في
التجارة أو الحِرفة أو البرمجة أو حتى الطهي، فاستطاعوا أن ينهضوا في أوطان جديدة
ويصنعوا حياة أفضل من الصفر.
3. القيمة في
السوق الاجتماعي
في كل
مجتمع، هناك ما يشبه "السوق" غير المرئي. الناس يتبادلون فيه حاجاتهم:
هذا يعطي وقتًا، ذاك يقدم خدمة، ثالث يعرض خبرة. والعملة الوحيدة التي تضمن لك
الطلب المستمر هي المهارة.
تخيّل
شخصًا يجيد إصلاح الأجهزة الإلكترونية بدقة عالية. سيحتاجه جيرانه، وأصدقاء جيرانه،
وربما يتوسع ليصبح صاحب ورشة ناجحة. في المقابل، تخيل شخصًا آخر لا يجيد شيئًا سوى
الشكوى أو الاعتماد على الآخرين، ستجده في نهاية المطاف يلهث خلف كل من يملك قيمة.
4. لماذا
ترتفع قيمتك بازدياد مهاراتك؟
القيمة لا
تُخلق في فراغ. إنما تنشأ حين يُدرك الآخرون أنهم لا يستطيعون الاستغناء عنك.
- الطبيب الماهر: يصبح طوق نجاة للمرضى.
- المهندس المبدع: يُطلب لتصميم المشاريع المعقدة.
- الكاتب البليغ: يُحتاج إليه حين يعجز الآخرون عن
التعبير.
وبالمقابل،
الشخص الذي لا يملك مهارة محددة يصبح شبيهًا بالظل: حاضر لكنه غير ملحوظ. الناس لا
تحتاج إليه، بل قد يشفقون عليه، وهذا أخطر من الرفض نفسه.
5. المهارة
والحرية
من أكبر
أسرار المهارة أنها تمنحك حرية الاختيار. الشخص الماهر لا يخضع للابتزاز ولا يركض وراء فتات
الفرص. هو من يختار عمله، شركاءه، وحتى طريقه في الحياة. لأنه ببساطة يعرف أن حاجتهم
إليه أكبر من حاجته إليهم.
حين
ترتفع مهاراتك ترتفع مكانتك
1. مشهدان من
الحياة اليومية
تخيّل
شابين تخرجا في العام نفسه من الجامعة:
- الأول اكتفى بالنجاح الدراسي، لم
يطوّر نفسه، لا يتقن لغات إضافية، لم يتعلم أي أدوات رقمية حديثة.
- الثاني بجانب دراسته، تعلّم كيف
يستخدم برامج متقدمة، طوّر لغته الإنجليزية، مارس مهارة الإقناع عبر أنشطة
طلابية، وقرأ كثيرًا في مجال تخصصه.
حين طرقا
باب سوق العمل، ماذا حدث؟
- الأول جلس ينتظر وظيفة تأتيه، يرسل سيرته
الذاتية العادية ويترقب اتصالاً لا يأتي.
- الثاني تلقى أكثر من عرض، ليس لأنه "أفضل
إنسان" بل لأنه يحمل مهارات عملية جعلت الناس يحتاجون إليه.
هذا هو
الفرق الجوهري: الناس تحتاج إلى من يملكون مهارات، أما الآخرون فيظلون عالقين في الانتظار.
2. قانون
الندرة والقيمة
القاعدة
الاقتصادية الشهيرة تقول: كلما كان الشيء نادرًا، زادت قيمته.
- من يجيد لغة نادرة أو تقنية متخصصة، يُطلب بشدة
لأن القلة فقط يملكونها.
- بينما من يفتقر لأي مهارة، يصبح نسخة مكررة بين
ملايين الآخرين، فيسهل استبداله أو الاستغناء عنه.
تخيّل
سوقًا يعرض فيه مئة شخص خدمة واحدة متشابهة، بينما يقف شخص واحد يقدم شيئًا
مختلفًا تمامًا. إلى أين ستتجه الأنظار؟
3. مثال من
التاريخ:
حين اجتاح
المغول بغداد في القرن الثالث عشر، دُمّرت المكتبات، وأُحرقت المدن، وسقطت السلطة
السياسية. لكن اللافت أن العلماء والأطباء والمهندسين لم يُقتَلوا، بل كانوا
يُنقلون معزّزين إلى عواصم المغول. لماذا؟ لأن مهاراتهم لا يمكن تعويضها. كانوا
"مطلوبين" حتى في قلب الخراب.
هذا يثبت
أن المهارة ليست فقط وسيلة لكسب العيش، بل درعًا يحميك حتى في أشد الظروف.
4. المهارات
تفتح أبواب المكانة الاجتماعية
المهارة
لا تمنحك المال فقط، بل تجعلك حاضرًا في مجالس الناس، موضوع حديثهم، وموضع تقديرهم.
- الحرفي البارع في قريته، قد يكون أكثر قيمة
اجتماعية من موظف عادي.
- الشاعر الذي يجيد الكلمة، يجد الناس بحاجة إلى
لسانه للتعبير عن مشاعرهم.
- المحامي الذكي، يطلبه الجميع حين تتشابك القضايا.
المهارة
هنا تتحول إلى رمز مكانة، لا يقل شأنًا عن الجاه أو المال.
5. الوجه
الآخر: قلة المهارات وعبء الحاجة
على الضفة
المقابلة، هناك مشهد مؤلم: شخص يفتقد المهارات.
- يعتمد على الآخرين في كل شيء.
- حين يفتش عن عمل، لا يجد لأنه لا يملك ما يقدمه.
- وحين يبحث عن شراكة، يتجنبه الناس لأنه لا يضيف
لهم قيمة.
وتصبح
حياته سلسلة من الطلبات: يقترض، يستجدي، ينتظر المساعدة. وفي كل مرة يُذكَّر
بأنه أقل من غيره، ليس لأنه أقل إنسانية، بل لأنه أقل مهارة.
6. الدرس
المستفاد
- صاحب المهارات: الناس تتسابق لكسب وده، لأنه
يحمل شيئًا يحتاجونه.
- فاقد المهارات: يلهث وراء الناس، ويظل دائمًا في
موقف المتلقي لا المانح.
ولهذا فإن
الفرق بين أن تكون مطلوبًا أو مهمَلاً لا تحدده الصدفة، بل تحدده مهاراتك.
كيف تصبح أنت المطلوب دائمًا – استراتيجيات لبناء
المهارات وزيادة قيمتك
1. أول
الطريق: الوعي بنقصك لا الاكتفاء بما عندك
أخطر ما
يقع فيه الإنسان أن يظن أنه "مكتمل". كثيرون يتوقفون عن التعلم لمجرد
حصولهم على شهادة، أو وظيفة، أو حتى إشادة من الآخرين. لكن الحقيقة أن العالم
يتغير بوتيرة سريعة، وما تملكه اليوم قد يصبح غدًا شيئًا عاديًا لا يلتفت له أحد.
الخطوة
الأولى إذن أن تمتلك شجاعة الاعتراف بالنقص، وأن تظل في حالة عطش دائم
للمعرفة والمهارة.
2. بناء
"باقة المهارات" لا مهارة واحدة فقط
في زمن
مضى، ربما كانت مهارة واحدة كافية: حداد ماهر أو مزارع قوي. أما اليوم، فإن قيمتك
ترتفع بقدر ما تملك من مزيج متكامل من المهارات.
على سبيل المثال:
- طبيب يجيد التواصل مع مرضاه → يصبح محبوبًا أكثر
من طبيب عبقري لكنه جافّ.
- مهندس يفهم في الإدارة والتسويق بجانب تخصصه →
فرصه أوسع من زملائه.
- كاتب يتقن لغة أجنبية بجانب العربية → يجد نفسه
مطلوبًا في أسواق عالمية.
الفكرة أن
مهارة واحدة جيدة، لكن المهارات المتكاملة تصنع "هالة" من القوة حولك.
3. استراتيجية
"التعلم المستمر"
المهارة
مثل العضلة: إن لم تستخدمها تضعف، وإن لم تطورها تتجمد.
- اقرأ كتبًا متخصصة بانتظام.
- التحق بدورات قصيرة عبر الإنترنت.
- شاهد محاضرات أو استمع لبودكاست في مجالك.
- طبّق ما تتعلمه فورًا حتى يتحول من
"معلومة" إلى "مهارة".
المطلوب
أن تجعل التعلم جزءًا من روتينك، لا مناسبة عابرة.
4. أهمية
الممارسة والتجريب
لن تصبح
كاتبًا ماهرًا بالقراءة وحدها، ولا خطيبًا بارعًا بالمشاهدة فقط. الممارسة هي التي
تحول المعرفة إلى مهارة.
- مارس التحدث بلغة جديدة يوميًا ولو لخمس دقائق.
- جرّب حل مشكلات حقيقية في تخصصك.
- تدرّب أمام المرآة أو مع أصدقاء على مهارات
العرض والإقناع.
التجريب
المستمر هو ما يضعك في مستوى أعلى من الآخرين.
5. اصنع
"علامتك الشخصية"
المهارة
في ذاتها لا تكفي إن لم يعرف الناس أنك تملكها. هنا يأتي دور بناء العلامة
الشخصية:
- شارك مقالات أو محتوى يبرز خبرتك.
- ساعد الآخرين في مواقف بسيطة تثبت قدراتك.
- اترك أثرًا في أي مكان تعمل فيه.
حين تصبح
معروفًا بأنك "الشخص الذي يُتقن كذا"، سيتحول الناس تلقائيًا إلى البحث
عنك عند الحاجة.
6. المهارات
الإنسانية لا تقل عن التقنية
قد تملك
مهارات تقنية رائعة، لكنك تفشل في كسب احترام أو ودّ الناس إن لم تتقن المهارات
الإنسانية.
- مهارة الاستماع.
- مهارة التعاطف.
- مهارة العمل ضمن فريق.
- مهارة القيادة والإلهام.
هذه المهارات
تجعلك ليس فقط "مطلوبًا"، بل "محبوبًا".
7. المرونة
والتكيف: مهارة المستقبل
العالم لا
يتوقف عن التغيير: مهن تختفي، وأخرى تولد.
- وظيفة عامل الهاتف الأرضي انتهت.
- مهن مرتبطة بالذكاء الاصطناعي بدأت للتو.
إذن،
القوة ليست فقط أن تتقن مهارة اليوم، بل أن تكون مرنًا بما يكفي لتعلّم مهارة الغد.
8. اجعل
مهارتك حلًا لمشكلة
الناس لا
تبحث عنك لأنك رائع فقط، بل لأنها ترى فيك حلًا لمشكلاتهم.
- إن كنت محاميًا: أنت تمنح الناس راحة من قلق
القضايا.
- إن كنت مبرمجًا: أنت تترجم أحلامهم الرقمية إلى
تطبيقات.
- إن كنت معلمًا: أنت الجسر بين الجهل والمعرفة.
فكّر
دائمًا: أي مشكلة تحلّها مهاراتي؟ وكلما كان جوابك أوضح، زادت حاجتهم إليك.
9. كن سخيًا
بما تتقنه
قد يبدو
غريبًا، لكن سرّ ازدياد الحاجة إليك هو الكرم في مشاركة مهاراتك. حين تساعد
الآخرين بلا مقابل، أو تقدم جزءًا مما تعرف، يزداد تقديرهم لك، ويزداد وعيهم
بقيمتك.
10. بناء شبكة
من العلاقات
المهارة
وحدها مثل كنز مدفون. تحتاج إلى شبكة من الناس تعرف ما لديك.
- احضر فعاليات وندوات.
- شارك في مجموعات مهنية.
- لا تخجل من إظهار شغفك بما تتقنه.
كل علاقة
قد تكون بابًا جديدًا لحاجة الناس إليك.
المهارة كدرع اجتماعي ونفسي – كيف تحميك من
التهميش وتفتح لك أبواب الحرية
1. التهميش
الاجتماعي لمن يفتقد المهارات
المجتمع
بطبعه ينجذب إلى من يملك قيمة. من لا يمتلك شيئًا يقدمه يصبح على الهامش، حتى دون
أن يشعر.
- في الاجتماعات، يُصغى إلى من يملك خبرة.
- في الأزمات، يُستدعى من يملك الحل.
- في الأحاديث، يُذكر اسم من يُتقن ويُبدع.
أما من
يفتقد المهارات، فقد يُعامل بلطف، لكن دون اعتماد حقيقي عليه. وهنا يبدأ شعور صعب:
أنه موجود جسديًا، لكنه "غير ضروري".
2. المهارة
تعطيك صوتًا مسموعًا
المهارة
ليست فقط قيمة اقتصادية، بل هي أيضًا مصدر قوة اجتماعية.
- الخطيب المفوّه تُنصت له الجماعة.
- العالم المبدع يُستشار قبل اتخاذ القرارات.
- الخبير العملي يصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه.
بهذا،
تتحول المهارة إلى وسيلة لامتلاك "صوت" في المجتمع، صوت يُسمع ويُحترم.
3. الحرية
المالية تبدأ بالمهارة
كثيرون
يحلمون بالحرية المالية، لكنهم يظنون أن الطريق إليها هو المال نفسه. الحقيقة أن
المهارة هي أول رأس مال.
- الحِرَفي الماهر يستطيع أن يعمل مستقلاً.
- المبرمج المبدع يختار مشاريعه وعملاءه.
- الكاتب أو الفنان الذي صقل موهبته، لا ينتظر
وظيفة بل يخلق لنفسه مصادر دخل متعددة.
الحرية
المالية إذن لا تُشترى، بل تُكتسب عبر المهارة.
4. الاستغناء
عن الخوف من الاستبدال
من لا
يملك مهارات فريدة يعيش في خوف دائم:
- يخاف أن يُستبدل في عمله بسهولة.
- يخشى أن يتجاوزه الآخرون.
- يعيش في قلق من فقدان ما يملكه القليل.
لكن حين
تمتلك مهارات عالية، يصبح وجودك صعب الاستبدال. المدير أو الفريق أو حتى السوق
يعرف أن خروجك خسارة، لا مجرد فراغ يُملأ. هذه الطمأنينة تمنحك ثقة وهدوءًا لا
يقدّره إلا من ذاق العكس.
5. قوة نفسية
خفية
المهارة
تمنح صاحبها إحساسًا بالجدارة. حين تعرف أنك قادر على حل مشكلات أو تقديم قيمة، فإن
احترامك لذاتك يرتفع تلقائيًا.
- الطالب الذي يجيد مهارة بحثية يشعر بالثقة وسط
زملائه.
- الموظف الذي يعرف أنه مبدع في مجاله يدخل
الاجتماعات مطمئنًا.
- الحِرَفي الذي يرى الناس ينتظرون إنجازه يعيش
شعورًا بالكرامة.
وهذه
القوة النفسية هي الحصن ضد الإحباط، ضد الاكتئاب، وضد مشاعر العجز.
6. المهارة
طريقك للاستقلال
التاريخ
مليء بأمثلة لأشخاص لم يرثوا مالًا ولا منصبًا، لكنهم صنعوا لأنفسهم استقلالًا عبر
المهارات.
- الحسن بن الهيثم لم يكن أميرًا، لكنه صار مرجعًا
في البصريات لأن مهاراته فاقت عصره.
- ستيف جوبز لم يملك شهادة جامعية، لكن مهاراته في
الرؤية التصميمية غيرت وجه التكنولوجيا.
- فنان شعبي بسيط قد يخرج من حي فقير، لكنه
بموهبته يصبح رمزًا يحتفى به.
كل هؤلاء
امتلكوا حرية القرار لأنهم امتلكوا مهارات لا تُشترى بسهولة.
7. المهارة
والجاذبية الإنسانية
المهارة
أيضًا تجعل الإنسان أكثر جاذبية في العلاقات. الناس بطبعهم ينجذبون إلى من يستطيع
أن يضيف لهم شيئًا.
- في الصداقة: صديق يجيد الإصغاء أو المشورة يصبح
أثمن من عشرة آخرين.
- في الحب: شريك يُتقن فن التواصل أو يحمل إبداعًا
يصبح أكثر تأثيرًا.
- في العائلة: فرد يملك حكمة أو حِرفة يُصبح
المرجع وقت الحاجة.
بهذا،
تتحول المهارة إلى أداة غير مباشرة لبناء شبكة من الروابط الإنسانية العميقة.
8. المهارة
كأمان ضد المستقبل المجهول
لا أحد
يعرف ما يخبئه الغد: أزمات اقتصادية، فقدان وظائف، تغيّر أنظمة. لكن من يمتلك
مهارات متعددة يعيش أكثر أمانًا.
- قد يخسر وظيفته، لكنه يبدأ مشروعًا خاصًا.
- قد يهاجر، لكنه يستخدم مهاراته في بلد جديد.
- قد تنهار مهنة، لكنه يتكيف بمهارة أخرى.
هذا
الأمان النفسي والاجتماعي لا يقدَّر بثمن.
9. من
التبعية إلى القيادة
الفرق الجوهري
بين من يملك ومن يفتقد المهارات هو موقعه:
- عديم المهارة يظل تابعًا.
- صاحب المهارة يتحول إلى قائد، حتى إن لم يحمل
لقبًا رسميًا.
القائد
الحقيقي ليس من يفرض سلطته، بل من يملك ما يحتاجه الآخرون. وهذا جوهر
المعادلة: كلما ازدادت مهاراتك، ازدادت حاجتهم إليك.
تجارب واقعية وشخصيات غيّرت العالم بفضل
مهاراتها
1. توماس
إديسون – عبقرية المثابرة والابتكار
إديسون لم
يكن طالبًا متفوقًا، بل رُفض في المدرسة بسبب ضعف تحصيله. لكنه امتلك مهارة
استثنائية: القدرة على التجريب المستمر دون يأس.
- فشل مئات المرات في اختراع المصباح الكهربائي،
لكنه لم يعتبر الفشل نهاية بل خطوة نحو النجاح.
- النتيجة: أصبح العالم كله يحتاج إلى اختراعاته،
وأضحى رمزًا عالميًا للابتكار.
إديسون
يثبت أن المهارة ليست فقط فيما "تعرفه"، بل فيما "تفعله"
بإصرار.
2. ابن سينا
– موسوعة بشرية
في القرن
الحادي عشر، لم يكن ابن سينا مجرد طبيب، بل كان فيلسوفًا وعالمًا في الرياضيات
والفلك. هذه الباقة من المهارات جعلته مرجعًا لا يمكن الاستغناء عنه في
حضارة كاملة.
- كتابه "القانون في الطب" ظل يُدرّس في
أوروبا لقرون.
- سلاطين وأمراء كانوا يتنافسون ليكون إلى جوارهم.
لو كان ابن
سينا قد اكتفى بمهارة واحدة، لما بلغ هذه المكانة الأسطورية.
3. ستيف جوبز
– فن الربط بين التقنية والجمال
جوبز لم
يكن أفضل مبرمج ولا أعظم مهندس، لكنه امتلك مهارة فريدة: رؤية جمالية للتكنولوجيا.
- جعل الحواسيب صديقة للإنسان، لا مجرد آلات معقدة.
- صنع منتجات (الآيفون، الآيباد) غيرت طريقة
تواصلنا مع العالم.
العالم لم
يحتج إلى جوبز لأنه يملك شهادة جامعية (لم يكملها أصلًا)، بل لأنه امتلك مهارة
نادرة: جعل التقنية "فنًا".
4. أم كلثوم
– قوة الصوت والالتزام
لم تكن
"كوكب الشرق" مجرد مطربة ذات حنجرة ذهبية، بل كانت صاحبة مهارة
الالتزام والانضباط الفني.
- كانت تتدرّب لساعات طويلة على النطق الصحيح
للكلمة.
- لم تقدّم حفلة إلا بعد استعداد مثالي.
- النتيجة: صار العرب من المحيط إلى الخليج
يحتاجون إلى صوتها ليجدوا فيه عزاءً أو فرحًا.
المهارة
هنا لم تكن فقط الصوت، بل الانضباط الذي صقل هذا الصوت ليصبح أسطورة.
5. نيلسون
مانديلا – مهارة الصبر والقيادة
قضى 27
عامًا في السجن، لكن مهارته في التحكم في النفس والتفاوض والقيادة الأخلاقية
جعلت شعبه والعالم بأسره يحتاجون إليه بعد خروجه.
- قاد جنوب إفريقيا إلى المصالحة بدل الانتقام.
- تحوّل من سجين سياسي إلى رئيس وزعيم عالمي.
مانديلا
يعلّمنا أن المهارة لا تعني بالضرورة إتقان مهنة، بل قد تكون قدرة نفسية وروحية
تحوّلك إلى مصدر قوة جماعية.
6. أمثلة من
الحياة اليومية
- النجار الماهر في قريته: قد لا يعرفه العالم،
لكن أهل بلدته يحتاجونه كل يوم.
- المدرّسة المخلصة: يفتقدها طلابها لأن مهارتها
لا تعوَّض بالكتب وحدها.
- المترجم المتقن: يفتح أبواب العالم أمام من لا
يعرفون لغاته.
هذه
الأمثلة الصغيرة تثبت أن المعادلة لا تقتصر على العظماء، بل هي صالحة لكل إنسان.
7. الجانب
الآخر: من افتقدوا المهارات
التاريخ
أيضًا مليء بأشخاص ضاعوا رغم الفرص؛ لأنهم لم يملكوا مهارة حقيقية.
- ملوك فقدوا عروشهم لأنهم اعتمدوا على السلطة دون
حكمة.
- موظفون خسروا أعمالهم لأنهم لم يطوروا أنفسهم مع
تغير التكنولوجيا.
- أفراد في مجتمعاتهم ظلوا عالة على الآخرين حتى
أصبحوا منسيين.
الدرس
واضح: من يملك مهارة يبقى، ومن يفتقدها يتلاشى من الذاكرة.
8. الخيط
المشترك بين كل التجارب
سواء في
العلم أو الفن أو القيادة أو الحياة اليومية، الخيط المشترك هو:
المهارة
تصنع لك قيمة تتجاوز الظروف.
- ابن سينا في حضارة مزدهرة.
- مانديلا في بلد مضطرب.
- أم كلثوم في عصر فني ذهبي.
- النجار البسيط في قرية صغيرة.
في كل
حالة، الحاجة إلى المهارة أقوى من الظروف المحيطة.
اصنع مكانك حيث لا يمكن الاستغناء عنك
1. المعادلة
الأخيرة
بعد أن
سرنا عبر الفكرة من جذورها، الأمثلة التاريخية، والقصص الواقعية، تتضح أمامنا
القاعدة الكبرى:
كلما
ازدادت مهاراتك، ازدادت حاجـة الناس إليك. وكلما قلّت مهاراتك، ازدادت حاجتك أنت
إلى الناس، وزاد استغناؤهم عنك.
إنها ليست
مجرد مقولة، بل قانون اجتماعي ونفسي واقتصادي. قانون يفرض نفسه على حياة كل إنسان،
سواء وعى به أم لم يَعِ.
2. المهارة
هي مكانتك الحقيقية
لا أحد
يخلّد اسمه لمجرد منصب أو لقب. كل من بقي في ذاكرة العالم، بقي لأنه امتلك مهارة
أو مجموعة مهارات جعلت وجوده لا يُستبدل.
- الكاتب يُخلَّد بمهارته في الكلمة.
- العالم يُخلَّد بمهارته في الاكتشاف.
- الفنان يُخلَّد بمهارته في الإبداع.
- القائد يُخلَّد بمهارته في الإلهام والقيادة.
إذن،
مكانتك ليست ما يقال عنك، بل ما تستطيع أن تقدمه للآخرين بمهاراتك.
3. دعوة إلى
"بناء الذات"
العالم من
حولك لا ينتظر أحدًا. الوظائف تتغير، العلاقات تتبدل، الظروف تنقلب. وحدها المهارات
هي التي تبقى معك كزادٍ داخلي.
- استثمر وقتك في تطوير نفسك بدل انتظار الحظ.
- تعلّم مهارة جديدة كل عام على الأقل.
- اجعل نفسك شخصًا لا يمكن الاستغناء عنه في مجالك
أو محيطك.
هكذا
تتحول من متفرج إلى لاعب أساسي في حياتك وحياة الآخرين.
4. من
"الاحتياج" إلى "الاختيار"
من يفتقد
المهارات يعيش أسيرًا لاحتياجه المستمر للآخرين: يحتاج دعمهم، وقتهم، أموالهم.
أما من
يملك المهارات، فهو الذي يختار: يختار عمله، شركاءه، مكانه، وحتى طريقه.
الفرق بين
العبودية والحرية قد يُختزل في كلمة واحدة: المهارة.
5. تذكّر
دائمًا
- المال قد ينقص.
- العلاقات قد تنقطع.
- المناصب قد تزول.
لكن ما
تتقنه من مهارات سيبقى معك، يحرسك، يرفعك، ويجعل الناس في حاجة إليك.
اصنع
لنفسك مكانًا حيث لا يمكن الاستغناء عنك. لا تنتظر أن يمنحك أحد قيمتك، بل ابنها
بيديك عبر مهاراتك.
تذكّر:
- من يملك المهارة يصبح شمسًا لا يمكن تجاهلها.
- ومن يفتقدها يظل ظلًا يتنقل في حياة الآخرين دون
أن يترك أثرًا.
فاختر أن
تكون شمسًا، أن تكون حضورًا، أن تكون مهارةً تمشي على الأرض، لا مجرد اسم في قوائم
الانتظار.
اضف تعليقك هنا عزيزي